فاطمة أبو النصر


معروف
كنت أراقبهم جميعا، عبير، سالم، فضل، كل كان يعلن عن نفسه بصوت داخلي يحيط به، وفي لحظة الهدوء النادرة، عندما يتوقف الجميع عن الصراخ، كنت أسمع صوتا جديدا، غريبا، صوتا خافتا كأنه يخرج من أعماق الماضي.

بدأت أتعرف على تلك الروح التي تسكن العقل ذاته. كانت عبير مجرد وهما صنعه خيال منهك، بدأ كل شيء بسبب عم فتحي، لا يزال صوت الرجل الذي كان يبيع الحقائب يتردد في أذنه:
“تعالي المرة الجاية وابقي خد الحزام اللي هيعجبك هدية”.

لكنه خاف. ولم يكن هناك أحد ليسمع الصرخة المكبوتة التي ولدت عبير. تلك الصرخة، التي كانت في لحظة صمتها الأولى، فتاة جميلة، ضحكتها تغطي على حقيقة أنها لم تكن موجودة.

عبير لم تكن إلا قناعا للألم، لصورة مثالية أراد أن يجسد بها حمايته المفقودة. عبير كانت الفتاة التي حلم أن تكون هناك لتنتزعه من الخوف والضعف. لكن عبير لم تكن أكثر من شبح آخر، مثل فضل، مثل سالم.

الآن أدركت الحقيقة. عبير ليست موجودة. كان فضل وسالم يقاتلان دائما لإثبات من بينهما الأقوى، لكن عبير كانت هي السلاح. سلاح العقل الذي استخدم ليبقي نفسه على قيد الحياة.

“عبير؟” ناديتها.

لكنها لم ترد. كنت أسمع صدى خطواتها وهي تبتعد، تماما كما اختفت ذات يوم في زوايا العقل، عائدة إلى الظل الذي جاءت منه.

أنا معروف، الأخير بينهم، الحكم الذي لم يطلبه أحد، ولكني الوحيد الذي يعرف الحقيقة كاملة. لا يوجد سالم، لا يوجد فضل، ولا حتى عبير. كل ما هنالك هو عقل يقاتل شياطينه في غرفة مظلمة منذ زمن طويل.

أغمضت عيني للحظة، وحين فتحتهما، وجدت نفسي أمام المرآة، أبتسم بهدوء. لم يكن هناك أحد. لا فضل، لا سالم، ولا عبير. كنت وحدي، لكن هذه المرة لم يكن ذلك مخيفا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *