عبير
مخاض الولادة ينهك جسدي، حاولت أنا ومعروف أن نعيدهما، لكن كل محاولاتنا بائت بالفشل، ظننت في البداية أن لمعروف دور في هذا، لكن مع مرور الوقت أدركت أنه أضعف منهما بكثير، حاولت أن تستمر العلاقة بيننا على هيئة معروف، لكن شتان بينهم، مارسنا كل المحاولات الممكنة، حتى أنه قد أنبت داخلي شيء منهم، ورغم عن هذا لم ينهدم السور بينا، لا يرى أحدنا الآخر، يمتلئ رحمي بتوأمين، وكأن القدر قد جمع ماء فضل وسالم داخلي، أنهكتني الصرخات وأنا أحاول إخراجهما، عملية قيصرية كانت الحل الأمثل، كنت وحدي، لم أر عين معروف منذ فترة، لم يهتم بشيء إلا التخلص من كل شيء، كانت علامات الدهشة تملأ أعين أطقم التمريض، حتى الطبيب المعالج، لم أجب على فضول تساؤلاتهم، بقيت قسيمة الزواج وحدها هي التي تبرر أنني أحتفظ بشرفي، تحولت النظرات الفضولية إلى نظرات شفقة، تناوب الجميع على مساعدتي، رأيت مشاعر كنت قد نسيتها في الفترة الأخيرة، يبدو أن العملية قد استغرقت ساعة أو أكثر، سألت الممرضة -التي لازمتني- عندما بدأت أستعيد من وعي القليل عن حال أطفالي، طلبت منها إحضارهم، وقفت قليلًا أمامي صامتة، كدت أن أصرخ، هل رحلا، هل فقدتهم أيضًا ، صرخت فيها: “ماتوا!!”، مسكت يدي ومالت على جبيني تقبله وهي تحمد الله أن أحدهما قد كتبت له النجاة معافى في أفضل حال، أما الثاني رغم جميع المحاولات الطبية إلا إنه لم يسلم من ملك الموت، شعرت بغصة في قلبي رغم أنني لم أشاهده، لم أحتضنه، لم أستنشق له رائحة، إلا أنه نما في رحمي تسعة أشهر كاملة، بكيت، طلبت منها أن تحضر لي طفلي الباقي، إلا أنها رفضت حتى أهدأ، لقاء الطفل للمرة الأولى لا بد أن يكون بنفس راضية، كان عليّ تقبل الأمر من أجل صغيري، مرت نصف ساعة كاملة، أخذت من الوقت ما يكفيني لكي أشعر بالسعادة له، حضر في عربته، رفعت جسدي قليلًا وأنا أنظر إليه، ابتسم لي وأمسك بطرف إصبعي وتنهد، إلا أنه بعد لحظة بدأ في الصراخ وهو يرفض إصبعي، أكاد أقسم أنني رأيت هدوء نظارات فضل ومجون نظرات سالم.
معروف
كان الاتفاق أن نبيع المنزل، ويرحل كلٌ منا إلى طريقه، سنوات مرت وأنا لا أستطيع لعب دور أب لم أكن أهلًا له، حاولت أن أحتضن الصغير، لكن الصرخات ازدادت داخلي، إنه ليس ابنًا لي، هو ابن لخطيئة، سنة ورا أخرى مرت، وفي كل يوم تتباعد العلاقة، انتهى كل شيء، لم تعد عبير تخصني، ولم نستطع أن نتجاوز كل ما مر علينا، ولم أحب هذا الطفل، وفرت لهم مسكنًا وما تبقى من أموال فضل، وقررت الرحيل إلى المجهول، كان موعد اللقاء بمشتري للمنزل، حضر زوجان يبدو عليهما الثراء، لم يتحدث هو، وإنما هي من كانت تسأل عن كل شيء، لماذا الدور الأول لا يوجد به غرف، لماذا عدد الغرف في الدور الثاني كبير، الحوائط تحتاج إلى إعادة طلاء، طلبت أن أخفض في السعر قليلًا فالحديقة أيضًا تحتاج إلى مصروفات لإعادتها إلى الحياة، كما أن المنزل يبدو متهالكًا، أخبرتها أنني أعيش وحدي فيه منذ فترة، ولم يكن في مقدرتي الاهتمام بكل تلك التفاصيل، ابتسمت وكأنها تخبرني أنها لا تهتم، ابتسمت بدوري، شعرت بتوترها، حتى عادت إلى انتقاد المنزل بحدة، لم يستطع زوجها منعها وتركها حتى هدأت، ثم أخبرني أنه قد وافق على إتمام عملية الشراء دون التخفيض في سعره، حتى إنه وافق على منحي مهلة حتى أنقل جميع أغراضي إلى منزلي الجديد، أخرجت سلسلة من المفاتيح وأعطيتها للزوجة وأنا أقول لها بابتسامة مستمرة، إن هذا البيت لا ينسى ساكنيه، أحيانًا يترك الأثر فيهم، وأحيانًا يأخذ منهم أكثر مما يظنون، لم يفهم أي منهما كلماتي، حتى أنني رأيت في أعينهما اتهامًا بالجنون، أعتقد أن الجنون كان على وشك أن يبدأ بينهما.
عبير
أجبرت على الموافقة على عملية البيع، لم يكن لدي خيار آخر، كان ابني قد تجاوز العشر سنوات، و أنا في احتياج للأموال، لقد أرهقتني التجربة، سنوات مرت بين الرغبة والخوف من عودتهم، سنوات وأنا أرى كلاهما في عيني ابني، رأيت داخله كلاهما ولم يمنع أحدهم من الظهور، وافقت أن يجتمعا كلا الأبوين داخله، ورفضت ولو للحظة أنا أرى معروف داخله، ملت على أذنه وأنا أقف عند مدخل البيت للمرة الأخيرة، أخبرته بصوت هامس أنه التوأم الأخير وعليه يومًا استعادة هذا المنزل، عاودت النظر إلى للمنزل للمرة الأخيرة، كان معروف يقف في وسط الحديقة انعكست صورته على جميع النوافذ، رأيت فضل وسالم في مشهد لا أجرؤ على وصفه!!